التسميات

السبت، ١٩ مايو ٢٠٠٧

لوثة التجنيس والتطفل الاجتماعي!

بل إن هؤلاء من إخوتنا البشر ممن حصلوا على الجنسية أثناء لوثة التجنيس أصبحوا ويصبحون عبئاً ثقيلاً وحيزا مفتوحا لمصادرة الإرادة السياسية لأهل تلك المناطق، حينما يتم استغلال ما يشكلوه من ثقل سكاني اصطناعي هائل في لعبة سياسية تديرها الدولة صاحبة العقود والصفقات ضد المرشحين غير المرغوب في وصولهم برلمانياً أثناء الانتخابات، فيعود الضرر بشكل كبير على المواطنين من المنتمين إلى أهل السنة والجماعة في المطالبات المعيشية والوظيفية، وفي حقولالتمثيل السياسي والمدني، والأسوأ من ذلك على سلامة العمران المجتمعي لتلك المناطق التي بدأت تضمحل عاداتها وتقاليدها الوطنية الجميل


كتب خالد المطوع - جريدة الوسط البحرينية


إن كان وجود تغول للنعرة الطائفية كما هو سائد حالياً في مجتمعنا يشير إلى فشل واقعي وإخفاق ذريع في عملية بناء الدولة وتكريس هوية مواطنتها الدستورية، فإن الاتجاه للتعامل مع مثل هذا التغول عبر مزاعم تغليب طائفة على أخرى، أو الاجتهاد لخلق وجود طائفي تنظيمي ثالث في البلاد كما قال الزميل الباحث عبدالله جناحي عن ذلك مسبقاً، ليس سوى خيار انتحار جماعي، وزيادة في الفشل، وإغراق للذات في وحل الخسارات التي تظل حتى الآن بلا قاع محتمل، وذلك في ظل ما تعاني منه الدولة من إخفاقات في صياغة هوية صهيرها الوطني، وفي تلبية كامل احتياجات المواطنين سواء أكان ذلك عبر إيجاد نظام للخدمات الحيوية أكثر فاعلية وكفاءة وشمولاً، أو حتى عبر حل أزمة أكثر تجذراً في بنيان الدولة تتمثل في تسوية عادلة لتوزيع الثروات على جميع المواطنين، فيكون فشلاً تنظيمياً سياسياً واقتصادياً حققته الدولة، وقد استحال الآن إلى فشل استراتيجي مستحكم. ولربما ما نعنيه في مثل هذا المقام ما أحبذ أن أطلق عليه ويطلق عليه بعض المتشاركين معي في ذات الرؤى بــ»لوثة التجنيس» التي ألمت بالدولة وجعلت منها تتجه إلى المغامرة بمنح جنسيتها لكل من هب ودب، ولأسباب سياسية بحتة مبعثها أحلام فترة ما بعد النقاهة السياسية التي ابتليت بها وأفقدتها رشداً سياسياً واسترتيجياً وطنياً، فبدلاً من أن يتم تطبيق الضوابط والضمانات القانونية المتعارف عليها قانونياً، وبدلاً من أن يتم اللجوء إلا الاستثناء الملكي في ذلك بصفته استثناءً لا أن يكون قاعدة شاملة تقلب تلك الأعراف والضمانات القانونية على رأسها بمسمى فضفاض هو «الخدمات الجليلة» التي لا يعرف حتى هذه اللحظة شكلها الموضوعي ونصابها المعين. وعوضاً عن تجنيس أصحاب الخبرات والكفاءات والمبدعين والمبدعات في شتى المجالات حتى تستفيد من تميزهم البلاد، أو ممن خدموا البلاد وتفانوا في ذلك لفترات طويلة، نرى الدولة وقد أضحت جنة وأرضاً لأحلام جميع المشردين والمطرودين والمنبوذين في سائر العالم، والذين عجزت أصلاً عن استيعابهم وتأهيلهم وترويضهم اجتماعياً دولهم ومجتمعاتهم الأصلية، وهم قد منحوا شرف الجنسية البحرينية دون أن يخطر ذلك في أكثر أحلامهم وردية ليكون عالة مضافة على المجتمع البحريني، وزيادة في تأزيم مشكلاته وقضاياه الكامنة أساساً، ومزاحمة للمواطنين في أبسط طلباتهم المعيشية والوظيفية، هذا إن لم يكونوا قد منحوا امتيازات وخيارات معيشية يتمنى الحصول عليها معظم المواطنين. وإن كان متوقعاً من بعض الكتاب والصحافيين ككتاب «المساج» والأندية الصحية أن يتغنوا بلوثة التجنيس الحاصلة اخيرا باعتبارها خياراً إنسانياً يعزز مكانة البحرين في محيطها القومي لتكون ملاذاً لكل العرب، وهم الذين ما عهدناهم متصدين لاتجاهات الدولة الرسمية صوب التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو حتى يعزز من مكانة المملكة في محيطها الآسيوي لتكون عشاً دافئاً لما تصدره دول آسيوية عظمى مثقلة ديمغرافياً من فوائض بشرية على حساب المواطنين، فإن مثل أشكال الدفاع المبتذلة تلك لم ولن تتمكن من تعويم الحقائق واخفائها بغربالها لكون أمثال هذه السياسات التجنيسية خارجة منذ أزل عن حدود العقل والمنطق ومتبرئة من علامات الرشد السياسي والاستراتيجي، بل هي أقرب ما تكون نوعاً من الإدمان الشره على حبوب مضاد للهلوسة يأتي بنتائج عكسية مدمرة على سائر الأعضاء الجسمانية، ويحتاج بالتالي إلى نصيحة صديق واستشارة طبيب. كما هو آتٍ ذاك التبرير والدفاع الطائفي الساذج في أوحال بعض المنتديات الإلكترونية التي ترى بأن تجنيس الآلاف من المنتمين لأهل السنة والجماعة يأتي في صالح تمكين وزيادة أعداد أهل السنة والجماعة على حساب الشيعة، وهو في حد ذاته دفاع أخرق وتبرير ضيق الأفق يفقد أصحابه قدراتهم على حماية أنفسهم وحماية مصالحهم ومصالح فلذات أكبادهم مستقبلاً، فمن الملاحظ حالياً أن المتضرر هم أهل السنة والجماعة، الذين أنتمي إليهم أباً عن جد، بما في ذلك قراهم ومناطقهم بالبلاد التي يتمركزون فيها بمستوى عالٍ تزداد كثافته بشكل سرطاني مخيف بجموع بشرية من المتجنسين تزداد حجمها بلا حدود، وهم الذين يعايشهم يومياً أبناء هذه الأوساط والمناطق، ويعرفونهم جيداً فيما يشكلونه من تلويث اجتماعي وحضاري وسلوكي يأخذ جميع أبعاده المدمرة، وفيما يشكلونه من مزاحمة لأبناء أهل السنة والجماعة في وظائفهم المدنية والعسكرية بوزارتي الداخلية والدفاع التي يتركزون فيها بشكل بارز وكبير. بل إن هؤلاء من إخوتنا البشر ممن حصلوا على الجنسية أثناء لوثة التجنيس أصبحوا ويصبحون عبئاً ثقيلاً وحيزا مفتوحا لمصادرة الإرادة السياسية لأهل تلك المناطق، حينما يتم استغلال ما يشكلوه من ثقل سكاني اصطناعي هائل في لعبة سياسية تديرها الدولة صاحبة العقود والصفقات ضد المرشحين غير المرغوب في وصولهم برلمانياً أثناء الانتخابات، فيعود الضرر بشكل كبير على المواطنين من المنتمين إلى أهل السنة والجماعة في المطالبات المعيشية والوظيفية، وفي حقول التمثيل السياسي والمدني، والأسوأ من ذلك على سلامة العمران المجتمعي لتلك المناطق التي بدأت تضمحل عاداتها وتقاليدها الوطنية الجميلة التي اصطبغت جميعها بأصباغ ثقافات التسول والتكرم المراد تعميمها شعبياً، وأنا على ثقة بأنه ومع تقادم الزمن بأن يكون أهل تلك المناطق الأكثر تضرراً من سياسات التجنيس الخاطئة التي يقع عليها اللوم لا على إخوتنا المجنسين، وهم على استعداد تام لإخراج مئة عريضة شعبية يومياً ضد آفة التجنيس، لا عملية التجنيس القانونية السليمة والمعتادة محلياً وإقليمياً وعالمياً، إذا ما انفتحت الآفاق وازدهر الوعي بمشارط الألم المجتمعي والسياسي والاقتصادي مع ضياع وتبدد آثار «المكرمات» السامية على واقع المواطن لصالح الطائفة والفئة الجديدة الداخلة إلى مجتمعنا بأحلام كثيفة. ما أود أن أشير إليه قبل أن أختم المقال هو أننا لم ولن نكون أبداً ضد إخوتنا المتجنسين الذين يشتركون معنا في رباط الإنسانية والعروبة والإسلام والذين أصبحوا الآن مواطنين باسم القانون، بل إننا نقف بحزم ضد سياسات التجنيس الخاطئة والمجرمة بحق الشعب أياً تكن النوايا، فإنه وبالإضافة إلى ما تخلفه «لوثة التجنيس» من تفريط في إمكانات ومقدرات الدولة، وما تسببه من تلويث اجتماعي ومن حزازات واحتقانات طائفية، فإن خطر «التطفل» الاجتماعي يظل الأدهى والأمر من بين سائر تلك الأخطار المتحقق منها والمحتمل، وأعني به أن يصبح المتجنسون أنفسهم جماعة وظيفية كما ذكر ذلك الزميل نادر كاظم، بل إن هذه الجماعات تتطفل اجتماعياً لا بتخلفها الاجتماعي والحضاري مقارنة بالمجتمع البحريني الخليجي، وإنما حتى حينما يجد أعضاء هذه الجماعات أنفسهم مضطرين لأن يروجوا لأنفسهم كسند إنقاذي وتطميني مغالب لطائفة ضد الطائفة الأخرى، باعتبار أن وجودهم يمنح الطائفة الفلانية دعماً وقوة ومناعة ضد «اختراق» و«ابتلاع» الطائفة الأخرى، فيكثر حينها اللعب بأعواد الثقاب الطائفية كسبيل لتعزيز وشرعنة الوجود والحضور الاجتماعي لهذه الجماعات التي أصبحت بحكم اللعبة السياسية والصدفة التاريخية جماعات وظيفية تستهلك استراتيجياً، ولو على حساب الوحدة الوطنية للشعب، وهو ما يجب أن تلتفت إليه الدولة بجدية وتتعامل مع آثاره السلبية إن كانت حريصة على مواجهة الخطر الطائفي الأول الذي أعلنه وزير الداخلية سابقاً. تعلموا مبادئ وأسس التجنيس من الجارة والشقيقة الكبرى السعودية على الأقل وغيرها من دول الخليج!

ليست هناك تعليقات: